التداخلات الدوائية: الخطر الصامت في وصفاتنا اليومية

التداخلات الدوائية خطر صامت يهدد صحة المجتمع

في ظلّ التطور الهائل في صناعة الدواء وتعدد المستحضرات الصيدلانية، أصبح من الشائع أن يتناول الفرد أكثر من دواء في اليوم الواحد، سواء بوصفة طبية أو دونها، غير أن هذا السلوك يحمل في طياته خطراً صامتاً يهدد سلامة الإنسان، وهو التداخل الدوائي. إنّ فهم طبيعة هذه التداخلات وآثارها وطرق الوقاية منها يمثل ضرورة ملحّة لحماية صحة المجتمع والحد من المضاعفات التي قد تكون قاتلة في بعض الحالات.

يُعرّف التداخل الدوائي بأنه التفاعل الذي يحدث عندما يؤثر دواء على فعالية أو سلامة دواء آخر عند تناولهما معاً، وقد يكون هذا التأثير بزيادة فعالية أحد الدواءين أو تقليلها، أو بتحويله إلى مادة سامة داخل الجسم. وتنقسم هذه التداخلات إلى ثلاثة أنواع رئيسية، هي تداخل دواء مع دواء مثل التفاعل بين المسكنات والمميعات، وتداخل دواء مع طعام مثل التفاعل بين عصير العنب وبعض أدوية القلب، وتداخل دواء مع مرض مثل استخدام أدوية معينة لدى مرضى الكبد أو الكلى مما قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة.

في المنازل تنتشر العديد من الأدوية والمستحضرات التي تُستخدم بشكل متكرر، وغالباً دون انتباه لمخاطر تفاعلاتها المحتملة. فعلى سبيل المثال، الجمع بين أكثر من مسكن من نفس الفئة مثل الإيبوبروفين والديكلوفيناك قد يؤدي إلى تلف المعدة أو الكلى، كما أن استخدام الإيبوبروفين مع الأسبرين بانتظام يقلل من فعالية الأسبرين الوقائية للقلب. أما أدوية ميوعة الدم مثل الوارفارين فتتأثر بالخضروات الورقية الغنية بفيتامين كاف، وكذلك ببعض المضادات الحيوية والمسكنات، مما قد يؤدي إلى نزيف خطير أو فشل في العلاج.

أدوية الضغط ومدرات البول بدورها تتطلب الحذر، إذ إن تناولها مع أدوية تحتوي على مكمّلات البوتاسيوم قد يسبب ارتفاعاً خطيراً في مستوى البوتاسيوم في الدم، وبعض المضادات الحيوية قد تزيد من خطر انخفاض السكر في الدم، كما أن تناول الكحول مع هذه الأدوية يضاعف خطر الهبوط الحاد في مستوى السكر.

أما المكملات الغذائية والعشبية، فرغم انتشارها واعتقاد البعض بسلامتها، إلا أن بعضها مثل نبتة سانت جون يقلل من فعالية أدوية القلب ومضادات الاكتئاب وموانع الحمل، كما أن تناول الثوم أو الجينسنغ مع مميعات الدم قد يؤدي إلى نزيف حاد.

تزداد احتمالية حدوث التداخلات الدوائية عند من يتناولون عدداً كبيراً من الأدوية يومياً، أو لدى كبار السن الذين تتباطأ لديهم عمليات الأيض والإخراج الدوائي، وكذلك لدى المصابين بالأمراض المزمنة مثل أمراض الكبد والكلى والسكري. كما تزداد الخطورة مع الاعتماد على الأدوية دون استشارة الطبيب أو الصيدلي، أو عند إخفاء المريض معلومات عن الأدوية والمكملات التي يستخدمها.

الوقاية من التداخلات الدوائية تبدأ بالوعي والمسؤولية، إذ يجب استشارة الطبيب أو الصيدلي قبل استخدام أي دواء جديد، وتجنب الجمع بين الأدوية من تلقاء النفس، وقراءة النشرة الداخلية بعناية، واستخدام وسيلة لتسجيل الأدوية اليومية، إضافة إلى ضرورة إبلاغ الطبيب بجميع الأدوية والمكملات المستخدمة قبل وصف أي علاج جديد.

إنّ التداخلات الدوائية خطر صامت يتربص بصحة كل من يتناول دواء دون علم أو متابعة طبية، فهي لا تفرّق بين دواء بسيط أو مركّب، بل تتسلل بصمت عبر العادات اليومية والاستخدام العشوائي. لذا تبقى المسؤولية المشتركة بين المريض والطبيب والصيدلي حجر الأساس في حماية المجتمع من هذا الخطر المتخفي خلف أقراص الدواء، فالدّواء شفاء بيد واعية وسمّ بيد جاهلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *